الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

القرار .. قصة قصيرة .. فاطمة أحمد

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



سوسنتها الصغيرة اليوم تغدو زهرة ولا أروع .. تتمايل رقة وحسناً على أغصان الربيع .. وشذا يفوح أريجاً تنثره أينما تحل ..
اليوم يأتون طالبين يدها
ارتباك ينتابها و هي تتذكر زهرة شبابها وذكرياتها ؛ لكنها تبقى سنة الحياة
فرحتها تعادل شيئاً من حزنها لاقتراب موعد رحيل صغيرتها لعشٍ جديد
تتداول حديثاً مع والدها يومئ برأسه ..يسأل عنه اليوم التالي .. يأتي بالجواب نعم
تبتسم ، تغرد في قلبها فرحة وأمل بأن تحتفل بعرس سوسنتها عما قريب
لكن سوسنتها تطأطئ .. يعلوها شحوب ويكدرها اصفرار ..!
رُسم على شفتيها حزن لم تعرف الأم مكامن سره
ــ فسري لي
ــ آه لا أرغبه فحسب ..
يبدو العذر غير مقبول !
احتجاج وتساؤل يباغتها .. تؤجل الحديث معها إلى المساء
وجدتها تغازل القمر سراً وهي تطالعه من نافذة غرفتها من وراء الستارة الذي تهزه الرياح
كأمواج أفكارها المتلاطمة على شواطئ الحيرة
تتراص الكلمات في عقل " جميلة " لمَ ؟ ولماذا وكيف وهل ؟ وهي تتلقى من صغيرتها الجواب ..
ـ نعم لا أريده الخلاصة أني أرغب شخصاً آخر
ـ منذ متى ! و تباً ومن؟
تحار الأسئلة المتقاذفة صوبها واحداً تلو الآخر ..علامات استفهام شتى لا تريد أن تقتنع بأي إجابات ..
تعود بذاكرتها إلى الوراء .. كانت ركنت مشاعرها في ركن قصي من زوايا الفؤاد منذ زمن .. ربما منذ تلك المرة التي لم تجد للمشاعر مكان فسيحاً لتأخذها على أرض الواقع
مذ يفرض الواقع نفسه ليصبح حالاً معاشة وتغادر الأحلام .. أحلام تظلل سقف بيت آمالها .. لكنها تتداعى لتغادر عبر نافذة مشرعة للريح لتمتطي صهوة خيال جامح يغادر إلى غابات النسيان
تتنهد .. استيقظت من غفوة ذكريات موصدة فتحت عليها الليلة أشرعة الانطلاق
تصحو .. لا يقنعها هذا الهراء
والدها موافق والأخبار التي تتوارد لهم عن الشاب المتقدم لخطبتها سارة
جلست تلقي عليها مواعظ بحكمة خبير فقيه
ـ لأنه كذا وكذا يجب أن يكون كذا ولو حصل ذاك لما حصل كذا ..
لم تلق سوسنتها بالاً للحقائق الافتراضية وللمعلومات المهمة المنطقية فهواها لحبيب أهدته فؤادها غير خاضع للأحكام !
أخيراً ودعتها على أمل أن تجد في الغد في قلبها صدى
في الصباح باقة ورود رائعة يرسلها البريد أشهى مما يمكن أن يشتهي لكن سوسنتها لم تلق بالاً
لعطرها المنثور في الأرجاء ولجمال فاتن يأخذ الألباب .. كأن الباقة لم تكن لها أو تعنيها شيئاً !
خيبة أمل لجميلة من جديد
وهي ترى ابنتها تتوشح بوشاح الرفض لخاطب لا يُرفض مثله .. هل يأتي الحظ في العمر مرتين !؟
لاااا كبيرة هذه المرة تنطلق من شفتي سوسنتها
ـ لا سأرفض ولن أبالي
ـ آه تعال وانظر فيما ترى
عندها نادته الأم ليتدخل فقد أعياها أمر ابنتها
أستمر الجدال ساعتين
ـ من أي عرق هو وإلى أي نسب ينتمي من أبوه ومن أمه بل ماذا يعمل ..!؟
جاء الجواب ..
رفع الأب أنفه بغيظٍ غاضباً
في نهاية الجدال ترفض سوسن الخطبة حتى موعد التخرج على الأقل
وربما حتى تقوم بتحضير درجة الماجستير أو الدكتوراة
يرحل الأب عن غرفتها محبطاً
ــ أخبريهم باعتذارنا الشديد لزيارتهم القادمة ..
هكذا خاطب والدتها فيما انكفأت سوسنة إلى غرفتها
خيم في البيت وجوم
ولم تنبس جميلة بكلمة
لكنها تشعر بالغيظ لإذعان زوجها لرغبة ابنتها .." حنانه الزائد دوماً !
لكن ما كان له أن يلزمها إجباراً .."
ولم تعرف هي نهاية مغامرة الانتظار لسوسنتها
تقلب تفكيرها ..
ذاك الذي تحبه لا يزال في بداية الطريق .. يحتاج لأعوام كثيرة ليبني نفسه ومستقبله
السبب الوحيد الذي يردعها الآن عن ضربها هو أشباح ماضي أصرت فيه والدتها على زواجها كما تريد ...
حتى إنها أصرت عليها البقاء عند تعسر بدايات حياتها بمخاض تعذر أن يلد الألفة والمحبة والوئام يسيراً بحجة أنها كانت انجبت سوسنة
لكن الفتى المتقدم لخطبتها شيء مختلف .. لا ترى إنه تكدره شائبة بل إنه يحمل من الميزات ما لا يقاوم .. حتماً يختلف عمن تقدموا سابقاً لخطبة ابنتها
"للأنفس هوى وميولاً لا يقاوم .."
هكذا تخاطب نفسها
كيف ستستطيع أن تجعلها ترى ما خفى عنها ..أن تطمس نور شعلة الأمل التي انبثقت في فؤادها
آه لكم تخاف أن تحرقها هذه الشعلة وكم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
ــ سأدعو ألا تغرق سفينتها في بحر الأيام الهادر
تهمهم ..في غمار الصمت
.. التاريخ يعيد نفسه .. ستبقى كلاهما ترى من زاوية تختلف
و من ذا يمكنه أن يرى المستقبل لا يُرى بل يُقدر تقديرا .. حقاً الغيب .. لا يمكن أن نتيقن مجاهله
في داخلها خصام .."نرى الليل عبر امتداد النهار ونرى القمر بدراً بعد أيام بالحساب
وإن كنت أرى بعين العقل مالم تره لكني سأتركها ترى من خلال عينيها قبساً أضاء من خلال نور الفؤاد
وأرجو أن لا تبدده أنوار النهار أو الزوابع "

تكتسح دمعة لا يظللها رضا جدار الصمت لتنزلق على وجنتي الأم .. تضم ابنتها بقلق
أمنياتي لكِ حبيبتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق