الأربعاء، 30 يوليو 2014

الوصية الأخيرة



يداها المرتجفتان اللتان تتشبثان بي ... أنفاسها المتقطعة .. صوتها الذي أكاد لا أتبين حروفه .. عيناها تتوسلان .. تستنجدان لأقطع عهدًا أن أتزوج ابن أختها فاضل ..
ابن خالتي الذي لم أحبه.. بل لم أستلطفه .. لكنها تستغيث .. وهل لي أن ألفظ .. لا !
"أرجوك أمي، كوني بخير.." توسلت وأنا أمسح قطرات العرق الذي بلل جبينها الوضاء .. قبلت يديها.. "اهدأي .. أفعل بإذن الله ما تحبين.."
سأفعل أي شيء من أجلها.. من أجل أن تستريح .. "أحبك أمي .."
ارتاح صدرها .. تبسمت .. هدأ نبضها.. ..أسلمت أنفاسها وأسبلت عينيها
أمي أمي .. إنها لا تجيب .. لا تتركينا يا أمي ..
صراخ ونحيب انطلقا في دارنا .. ماتت أمي ..

لا تكفي الدموع .. و لا يجدي النواح ... العويل يُسمع في بيتنا لأيام
و أطمئن نفسي .. .ترقد أمي في مرقدها بسلام
سعيدة أني أجبتها لمطلبٍ أخير..
أمنيتها الأخيرة .. التي كانت طلبا رفضته مرة بعد أخرى
كنت أحببت سامر .. ابن الجيران .. حلما في داخلي.. لازم صباي .. لم يتقدم ليطلب يدي بعد.. ولم أخبر أمي .. خجلت من أمي .. ثم وافقتُ على أمنية أمي !

مرت أيام قبل أن تعود خالتي ..
وتسأل: ها .. ماذا حصل؟
هزت أختي الكبرى رأسها نيابة عني ..
أقاموا العرس بعدها بأيام .. حتى يهدأ أبي ويهنأ بالًا..
في الطريق إليه .. فكرت، كيف سأحب فاضل؟! ولمَ سأحب فاضل؟ أجعد الشعر، النحيف .. ذو البشرة السمراء الداكنة !
صورة سامر ذو العينين العسليتين تطل خفية برأسها كشبح من آن لآخر .. وحين انفردنا معا شعرت لوهلة أننا ثلاثة وليس اثنين
لكني طردت الشبح وبدأت عهدا جديدا

علي أن أحاول... أن أتقبله بشعره المجعد الكث.. لا زلت أكره شعر فاضل المجعد.. ثيابه المتسخة بالبنزين حين يعود من عمله في إصلاح السيارات
..كنت أجد ألف علة لأكرهه
وذات مرة حين انتابتني الوساوس والأفكار تخاصمنا.. صرخت في وجهه بصوت عالٍ: أكرهك.. لا أريدك
تجهم وجهه .. طأطأ رأسه .. ثم قال أنه سيفعل ما أريد بعد انقضاء العام

أمي أوصتني بالصلاة .. انزويت وتضرعت كثيرا .. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

شيئا ما صرت أتعود وجوده ..لم يعد ثقيل الظل كما كنت أشعر .. ربما خالجني الاحساس بالذنب تجاهه.. الإنسان الذي لم يقترف ذنبا معي سوى إنه أشعت الشعر داكن البشرة..!
داخلي بدأت أقر أنه ليس مزعجا .. عاملني بلطف .. يأخذني لزيارة الأهل ..أشترى لي فستانا جميلا حين حصل على المال آخر مرة
سألني عن اللون الذي أحبه حين ذهب للسوق .. والدي لم يفعل ..
خالتي الحبيبة لقلبي .. أتذكر أمي حين أراها.. وكم تشبه عيناها عينا أمي

البيت متواضع .. كأني أسمع من يقول هذا البيت لي .." إنه ملك لك" ..لأول مرة شعرت بهذا الشعور .. بعد انقضاء أسابيع أوشهور..
شرعت أرتب .. طردت أفكار ما ..قمت بتنسيقه .. فتحت النوافذ الشمس .. وضعت إناء مليء بالزهور .. لا يليق بالمكان بعثرة الأشياء أوالفوضى
البيت أجمل .. .وحين يعود من عمله بدأت أقول له .."لا تدخل بحذائك على السجاد يا فاضل"
أطلب منه فيفعل بسكون
رويدا صار يعتني أكثر بنفسه.. يعود فيدخل للحمام الذي أعددته فيغتسل

وما زال بي شيء من نفور من صوته الأجش وطوله الفارع الذي يجعلني أشعر بضآلتي بجواره ..

وذات مرة سافر.. حدثت نفسي .. سأشعر بارتياح .. اليوم الأول بدونه كان حرًا جميلا ... تذكرت كيف كنت لا أطيقه في أيامنا الأولى
لكنه ما جرحني بكلمة ما بقيت ... نمت أخيرا حتى الصباح
اليوم التالي خيم الصمت على كل شيء في البيت .. أفتقدت صوته
حركته .. مشيته في الدار ..الغرفة خالية منه .. ما أستطعت أن أغفو ..شعرت ببعض الآلام أيضا .... شعرت بأنني بحاجة أليه ..

لم أتصور أني سأفتقده يومًا ..بعض الناس يصنعون الحب .. والبعض يقع فريسة الأوهام .. أين هو؟ .. كنت أجده كلما أحتاجه..

أنتظرته بصبر وأنا أنتظر الغد الذي سيشرق بوعد جديد
عندما عاد كان قد وجد هدية في انتظاره .. زائر جديد .. تبسم كثيرا وهو يأخذ اللفافة البيضاء التي ناولته إياها فاحتضنها بكلتا يديه وضمها لصدره .. "انظر.. إنه يشبهك كثيرا"

ثم نظر لي بنظرة تعنى شيئا .. كأنه ابتسم
ـ أتغادرين كما كنت تريدين؟
طأطأت رأسي .. ودمعة خجلى تسللت من جفني من دون أن تستأذنني ..ابتسمت بعلامة العرفان .. وتجرأت واعترفت بالحقيقة له ولنفسي
ـ كنت وستبقى خير أهلي يا رفيق عمري.

حقوق النشر محفوظة للكاتبة .. لا أجيز النقل.

السبت، 15 فبراير 2014

الميراث



 أورث والدي أرضًا،
أوصى بها زرعًا.
اجتهد أخواني في حفر بئر
انفجرت بماءٍ أسود ،..

..تجهموا
 مقايضٌ أقبل
..جلسوا يقتسمون
دخلتً بالزاد
.همس اوسطهم: قد أقبلت  ..
نظروا وصمتوا ريبة
اختفيت قبل أن .....

رحلة إلى





أجهده النعاس..
ويكمل..
غاياته تقترب ...
اُطبق جفنيه...

أفاق  بُعيد
 غيبوبة بعجز

دوت صرخة مكلومة  ..رمّها بعزم...
ثم صار قنديلًا.. يبهر القاعدين

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الدمية

كلما مر بها الصغير الذي غدا شابًا نظرت إليه بغبطةٍ فهمست:
يا فتى حاذر أن تتزوج من ليست على جمال ..
يبتسم مزهوا فيردف ضاحكًا:
سأجتهد أن تكون شقراء، غيداء ك "باربي" يا خالة
،
يعتدل وهو يتناول كوب الشاي الساخن ..
ينظر إلى البعيد ويستطرد ..
خشيتي أن تكون مثلها خاوية